أخطر قرار في تاريخ غزة.. من اتخذه؟ ولماذا؟

في غزة، حيث يمشي الدم حافيا على ركام الذاكرة، لا تزال الجدران تنطق بما عجزت عنه الكلمات، ولا تزال الأمهات يبتلعن دموعهن كي لا يسمع بكاؤهن في الليل خيانة لصمود لم يخترنه، لكنه فرض عليهن فرضا.
في غزة، تزهق الأرواح كما تزهق الأمنيات، وتجتث البيوت كما تجتث أشجار الزيتون من أرضها، ويباد شعب على الهواء مباشرة.. ولا شيء يتحرك.
سوى نحن.
نحن.. حفنة من الأصوات التي سخر منها التاريخ. أصوات ملت الشجب والتنديد والاعتراض، وتحفظت على ما لا يقبل، واكتفت من النضال بالهاشتاغات، ومن الصراخ بالتصفيق في المؤتمرات، ومن الدماء بالندوات.
لكن، بين هذا الركام كله.. هل يحق لنا أن نسأل؟
هل يحق لنا، رغم الحب والانتماء والوجع، أن نطرح أسئلة حارقة، لا طعنا في المقاومة، بل تشريحا لجراحنا المفتوحة منذ عقود؟
هل من المسموح في عرف المكلومين أن نمعن قليلا في التفكير بدلا من أن نجبر على التصفيق؟
نعم.. نحن نحب غزة حد النزيف، ولكننا نريد أن نفهم.
لماذا بدأت حماس معركة أكتوبر؟
إن كانت لا تدري أن الرد سيكون بهذه الوحشية، فتلك مصيبة سوء التقدير في لحظة فارقة من تاريخ شعب لا يحتمل الخطأ.
وإن كانت تدري، فتلك مصيبة العقل الذي قرر أن يقدم عشرات الآلاف من أرواح الأبرياء قربانا لصورة انتصار مؤقت لا تصمد أمام حجم الدمار والدموع.
سيقول البعض إن الاحتلال كان على وشك بدء الحرب، فأين الخطأ؟
الجواب المؤلم: أن تبادر وأنت تعلم أن الخصم متربص، أفضل من أن تترك له الشرارة ليحرق بها الغابة كلها.
لكن المأساة أن الحرب بدأت، وسرعان ما تحولت غزة إلى لوحة مجازر لا تنتهي.
والمجزرة ما تزال قائمة..
لا تتوقف.
فمن المسؤول؟
من الذي سمح ليحيى السنوار، وهو الرجل الذي قضى عمره بين أسوار سجون العدو، أن يتخذ قرارا بهذا الحجم، منفردا أو شبه منفرد؟
من الذي رأى في رجل يعرف عبريتهم أكثر مما نعرف صمتنا، ويملك علاقات وتاريخا مع سجانيه، أنه القائد الوحيد الذي يحق له رسم المصير؟
أين كانت عقول وقلوب بقية القادة؟
أين كانت الأيدي التي تعترض؟
أين كان الصوت الذي يقول: تمهل.. فإنك تسير بشعبك نحو المحرقة؟
أكثر من مائة ألف شهيد، ودمار شامل، ونكبة جديدة تشبه نكبة ٤٨، بل تفوقها في بعض جوانبها..
هل هذا يخدم أهل غزة؟
هل هذا نصر؟
هل هذا قرار حكم عليه بالتأمل والمشاورة والتفكير، أم حكم عليه بالعاطفة، أو أسوأ من ذلك، بالمقامرة؟
لا أهاجم أحدا، ولا أطعن في نوايا المجاهدين، ولكن أبحث عن إجابات في زمن تتبخر فيه الحقيقة كما يتبخر الماء من أنابيب غزة المدمرة.
أبحث عن عقل يقنعني بأن النكبة التي نعيشها اليوم، كانت الطريق الأفضل لتحرير فلسطين.
هل كانت الحرب تستحق هذا الثمن؟
سؤال لا يقدح في دم الشهداء، بل يقدس دماءهم بالسؤال: من المسؤول عنها؟
سؤال لا يجافي حبنا لغزة، بل يعظمها بأن نرفض أن تباد مرة تلو أخرى باسم “القرار السياسي المقاوم”.
وفي النهاية…
سيقولون عني خائنا، مخذلا، مندسا..فليقولوا.
لكنني أقسم بمن خلق السماء بلا عمد، أنني لا أملك في قلبي إلا حبا لغزة، ونارا لا تنطفئ على ما حل بها.
أحبها لدرجة أنني لا أقبل أن تكون ساحة تجارب، ولا حقل دماء لأخطاء لا نجرؤ على نقدها.
غزة أكبر من الخطأ..
وأعظم من السكوت..
وأنبل من أن تختزل في قرار رجل، أو رد فعل غضب، أو لحظة مجد قصيرة.
غزة هي الجرح الذي لا يجب أن ننساه..
وهي السؤال الذي لا يجوز أن نخافه.
بقلم : محمد سالم المختار الشيخ