في رحاب الفكر والاختراع… حوار خاص مع الأستاذ المغربي عبد الله بوفيم

يعد الأستاذ عبد الله بوفيم واحدا من العقول المغاربية المتميزة، التي جمعت بين الصحافة والبحث والاختراع، في مسيرة علمية وفكرية لافتة. من جهة كلميم وادنون بالمملكة المغربية، انطلق مشواره العلمي من كلية الحقوق بمراكش، لكنه سرعان ما تجاوز الإطار الأكاديمي التقليدي ليخوض غمار البحث في مجالات متعددة، أبرزها الماء والطاقة والبيئة والفلك.
ما يميز الأستاذ بوفيم هو جرأته في الطرح، وتنوع مؤلفاته التي تتناول قضايا علمية وفكرية بلغة تجمع بين التحليل والنقد، والابتكار النظري والتطبيق العملي. وقد أثمرت جهوده عن اختراعات تهدف إلى مواجهة تحديات كبرى تعاني منها مجتمعاتنا، مثل التصحر، ندرة المياه، وزحف الرمال.
في هذه المقابلة، نفتح معه حوارا شاملا حول مسيرته، أفكاره، اختراعاته، وإمكانات التعاون مع دول مثل موريتانيا، التي قد تستفيد من تجربته الفريدة في مواجهة تحدياتها البيئية والتنموية.
فكان الحوار التالي:
كيف تصف لنا بداياتك في جهة كلميم وادنون؟ وما الذي شكل وعيك العلمي والفكري؟
الحمد لله رب العالمين على نعمه وفضله الذي لا يعد ولا يحصى. ومن المؤكد أن في كل شر يكمن خير، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ﴾ (سورة البقرة، الآية 216).
لقد أصبت بالشلل التام في سن الثالثة عشرة بسبب مرض الروماتيزم، وبدأت رحلة العلاج التي استمرت لمدة خمس سنوات متواصلة. خلال تلك الفترة، كنت عاجزا عن الحركة ومحروما من اللعب مع الأطفال أو الجري معهم، مما جعلني أعيش في عالم من الفراغ.
في ظل هذا الوضع، لم يكن أمامي خيار سوى المطالعة. وفي خزانة والدي الفقيه، وجدت مجموعة من الكتب الدينية التي كانت غالبيتها تتعلق بالتفسير والسيرة والفقه، فبدأت في قراءتها رغم أنني لم أكن أفهم الكثير مما أقرأ في البداية. ولكن القراءة كانت وسيلتي لمحاربة الملل والألم النفسي والجسدي.
مع مرور الوقت، أصبحت المطالعة جزءا من حياتي اليومية، ولم يمر يوم دون أن أقرأ كتابا صغيرا أو جزءا من كتاب كبير. وبفضل هذا الإدمان على القراءة، تطور اهتمامي بالأدب، وبدأت في مطالعة الروايات والقصص بجميع أنواعها، كنت أستمتع بها وأتخيل أحداثها وكأنني أشاهد فيلما أو مسلسلا.
من كلية الحقوق إلى مجالات الفلك والطاقة والماء… كيف ثم هذا التحول؟
كنت في المرحلة الثانوية متخصصا في العلوم، ورغم ذلك كنت أقرأ القصص والروايات والكتب بمعدل يفوق بكثير ما كان يقرأه الأدبيون. بعد حصولي على شهادة البكالوريا في العلوم التجريبية، كان لابد لي من الانتقال إلى أكادير أو مراكش، فأصر والدي على أن ألتحق بكلية الحقوق بدلا من كلية العلوم، وقررت حينها اتباع نصيحته وتخرجت منها في سنة 1995.
بعد التخرج، تركت مجال القانون تقريبا واهتممت بالفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع. كما كنت أحرص على جمع الآيات الفلكية كلما صادفتها أثناء قراءتي للقرآن الكريم، تأثرت بشكل خاص بالدكتور عبد المجيد الزنداني وشرحه لبعض الآيات الفلكية في القرآن من خلال الفيديوهات التي كانت تصلنا في المنزل أو في المدرسة الثانوية.
حتى اليوم، أحرص على عدم إضاعة وقتي، ولا أجلس في المقاهي أبدا، ولا أتجول في الشوارع دون هدف أو سبب. بل ألتزم بمكتبي، وأبقى فيه إلا للضرورة القصوى، سواء كنت قارئا أو مستمعا أو كاتبا، وفقا لما يجيء من إلهام في ذلك الوقت.
في المرحلة الثانوية، قرأت عن الفارابي وكيف كان موسوعيا في علمه، حيث كان يتقن جميع العلوم وكان أيضا موسيقيا. كان الفارابي قدوتي في المجال العلمي، ورغم أنني لم أبحث في تفاصيل المجال العقدي الخاص به، إلا أن كونه عالما موسوعيا ألهمني أن لا أقتصر على مجال واحد فقط، بل أن أقرأ وأبحث في مختلف المجالات حسب استطاعتي.
كيف أثرت تجربتك الصحفية على رؤيتك العلمية والفكرية؟
بدأت تجربتي الصحفية في عام 2008 كمدير لجريدة ورقية بعد أن كنت أمارس الكتابة والتعليق في مواقع إلكترونية، مثل موقع “شباب مصر” و”موقع الحوار المتمدن” العراقي. في تلك الفترة، اكتشفت أن مستواي الصحفي ما يزال ضعيفا جدا، خاصة في موقع “الحوار المتمدن” حيث كان يتواجد العديد من الجهابذة والشيوخ في مجال العلمانية والكفر الصريح والتشيع. كنت أتناقش معهم وأرد عليهم بما جمعته من معلومات متواضعة، وكان ذلك يتطلب مني الكثير من الجهد لإثبات موقفي، مما جعلني مزعجا لهم بحق. كنت أقرأ كل ما يكتبونه وأعلق على جميع مقالاتهم، وهو ما أكسبني خبرة صحفية خلال تلك السنوات الثلاث تقريبا.
عندما حصلت على ترخيص نشر جريدتي الورقية، وجدت نفسي مجبرا على الكتابة في جميع المجالات، لأن الجريدة الجديدة كانت تواجه صعوبة في جذب الكتاب المعتبرين في مجالاتهم. لذلك، كنت أملأ نصف صفحات الجريدة بمقالات متنوعة في مختلف المجالات. هذا دفعني إلى تحرير العديد من المقالات يوميًا. الجميل في الأمر أنني كنت أجمع كل ما أكتبه لكي لا يضيع، مما ساعدني في تجميع رصيد من المقالات التي نشرتها، والتي كان جزء منها مادة لبعض كتبي التي بدأت بنشرها بدءا من عام 2016.
ما أبرز اختراعاتك في مجالات الماء والطاقة ومكافحة التصحر؟
أحد ابتكاراتي في مجال المياه هو إنشاء بلاعات اصطناعية على شاكلة البلاعات الطبيعية التي توجد في قلب وجنبات الأودية. هذه البلاعات تبلع جزءا مهما من حمولة الأودية أثناء جريانها وتعمل على ضخ المياه لتملأ البحيرات الباطنية. صحيح أننا نحفر في كل منطقة العديد من الآبار لاستخراج المياه، لكننا لم نتساءل يوما كيف وصل ذلك الماء إلى باطن الأرض. ولم نكلف أنفسنا بتسهيل عملية ضخ المياه إلى باطن الأرض لنضمن ما سنستخرجه في المستقبل.
في الفيديو التالي، تظهر بلاعة طبيعية في حافة وادي درعة خلال عام 2014. مشاهدته ستوضح كيف تبلع الأرض الماء، وكيف يمكننا خلق بلاعات اصطناعية للمساعدة في ضمان وجود المياه الباطنية:
عنوان الفيديو في اليوتيوب: وادي درعة اليوم 27/11/2014 الجزء 1
رابط الفيديو:
الماء الباطني في العالم العربي والإسلامي:
الدول العربية والإسلامية، باعتمادها على المياه السطحية، قد جنت على البحيرات الباطنية، إما جهلا أو عمدا. فقد حبا الله بلادنا ببحيرات باطنية عملاقة، يمكن أن تغني عن بناء العديد من السدود الكبرى، زيادة على أنها تقوم بتصفية الماء وحمايته من التبخر، بالإضافة إلى توزيعه بشكل مجاني على مساحات شاسعة. الماء في باطن الأرض يجري كما يجري الدم في جسم الإنسان، لذلك يسهل استخراج المياه عندما نعلم كيف نتعامل مع هذا المورد الطبيعي الهائل.
ابتكار في مجال الطاقة:
في مجال الطاقة، نشرت طريقة لإنتاج الكهرباء باستخدام الرياح الناتجة عن حركة المركبات. هذه الطريقة تعتمد على الريح المولدة بالسرعة التي يمكن أن تتيح للمركبات الكهربائية شحن نفسها باستخدام المراوح الصغيرة المرتبطة بمولدات كهربائية تنتج الطاقة اللازمة لشحن البطاريات. كلما زاد وزن المركبة، يتم زيادة عدد المراوح والمولدات لتلبية احتياجات الطاقة.
حلول لمكافحة التصحر:
مكافحة التصحر يمكن أن تكون بسيطة وفعالة، دون الحاجة إلى تكاليف ضخمة. الرياح هي السبب الرئيسي لتحريك الكثبان الرملية. لمنع حركة هذه الكثبان، يمكننا تثبيت أعلى الكثبان الرملية عن طريق تشكيل شبكات بلاستيكية على شكل “شواري” فوق ظهر الكثبان. نقوم بطي أطراف الشبكة بمقدار 20 سنتيمترا من جانبيها وتشكيل جيوب صغيرة بداخلها، ثم ملؤها بالرمل من نفس الكثبان الرملية. هذه الشبكات تمنع الرياح من تحريك الرمال.
لمزيد من الاستقرار، يمكن بناء جدار من أكياس الرمل الصغيرة فوق هذه الشبكات. ومع زيادة الرمال فوق الجدران، يتكون جبل من الرمل الثابت الذي لا يمكن للريح تحريكه. هكذا نزيد من ارتفاع الكثبان الرملية تدريجيا حتى تصبح جبالا من الرمل الثابتة.
هل تم تطبيق أي من هذه الاختراعات فعليا؟ وأين؟
اختراعاتي في مجال الماء والطاقة منشورة بشكل مفصل ويمكن لأي شخص تطبيقها في أي مكان. قد يكون المغرب قد طبق سريا بعضها، خاصة في مجال الطاقة. فعلى سبيل المثال، تزويد المغرب لإسبانيا والبرتغال بالكهرباء دون أن يشعر المواطنون المغاربة بأي نقص في الطاقة، يعد دليلا على أن المغرب أصبح منتجا رئيسيا للطاقة، رغم محدودية موارده من الطاقة الأحفورية.
يمكن تطبيق فكرة إنتاج الكهرباء باستخدام الرياح الناتجة عن السرعة من قبل القطارات، خاصة في الخطوط الثانوية للقطارات التي أصبحت غير مستغلة، وهي متوفرة بكثرة في شمال المغرب. هذا النوع من الابتكار سيسهم بشكل كبير في تعزيز استقلالية المغرب في إنتاج الطاقة.
السرية والكتمان في المغرب:
المغرب بطبيعته دولة تتبع سياسة الكتمان في العديد من الأمور، وهذا يعد جزءا من طبيعة الشعب المغربي المتوجس، كما وصفهم ابن خلدون. هذه السياسة تمنح البلاد القدرة على المضي قدما في تطبيق بعض الاختراعات بشكل سري وفعال.
دعوة للتطبيق والمشاركة:
أؤكد أن اختراعاتي متاحة للجميع لتطبيقها والاستفادة منها. من يطبق هذه الأفكار بشكل جيد ويحسن استخدامها فله الأجر في الدنيا، ومن لم يفعل فالأجر على الله عز وجل.
كيف يمكن لموريتانيا، التي تعاني من التصحر ونقص المياه، أن تستفيد عمليا من الاختراعات؟
الدولة الموريتانية بحاجة ماسة إلى حلول فعالة لمكافحة التصحر وضمان توفير الماء وتوزيعه بكلفة منخفضة، فضلا عن تحقيق الاكتفاء الطاقي باستخدام الرياح الناتجة عن السرعة.
حلول مكافحة التصحر: يمكن لموريتانيا، باستخدام المبالغ الحالية التي ترصدها لمكافحة التصحر، القضاء على مشكلة التصحر نهائيا في غضون أقل من عشر سنوات. يمكن تحويل الكثبان الرملية إلى جبال رملية شبه قارة تمنع زحف الرمال وحركتها. بدلا من استخدام الشباك البلاستيكية لتشتيت الرمال، يمكن تحويل الكثبان الرملية نفسها إلى حواجز ثابتة تمنع زحف الرمال، وبالتالي حماية الأراضي الخصبة والغنية التي يمكن أن تحوّل موريتانيا إلى سلة غذاء شمال إفريقيا في العقد المقبل.
حلول ضمان الماء: موريتانيا تتمتع ببحيرات باطنية عملاقة ومصبات باطنية كبيرة تكفي لإخراج مياه عذبة قد تتحول إلى عيون جارية على سطح الأرض. يمكن فتح المغارات المغلقة في باطن الأرض لظهور الماء على السطح، ومن خلال الحفر ستكون الأراضي الموريتانية قادرة على أن تصبح حقولا خصبة في العشر سنوات القادمة بإذن الله.
فيديو توضيحي: لقد نشرت على حسابي في تيك توك بتاريخ 16/01/2024 فيديو بعنوان “المغرب قد يستورد مستقبلاً غذاءه من موريتانيا ومالي”، والذي يمكنكم مشاهدته من هنا:
@boufahim1
حلول الطاقة: في مجال الطاقة، يمكن تحويل أي سيارة في موريتانيا إلى سيارة كهربائية في حوالي أسبوع فقط، وذلك باستخدام أساليب بسيطة ومفصلة في كتابي بعنوان “الطاقة المتجددة من الريح المولدة بالسرعة”. هذا الحل سيسهم في التخلص من تكلفة الوقود الأحفوري. كما يمكن للدولة إنتاج الكهرباء باستخدام أي خطوط سكك حديدية قديمة، مما يتيح تأمين احتياجات الطاقة بالكامل.
موارد إضافية: في حسابي على تيك توك، يمكنكم العثور على العديد من الفيديوهات التي تشرح بالصوت والصورة أغلب المعلومات التي تم نشرها في كتبي، والتي قد تكون مفيدة جدا لدولة موريتانيا في مختلف المجالات.
ما أبرز التحديات التي تواجهك في ايصال اختراعاتك الى حيز التنفيذ في البلدان العربية؟
الحقيقة المؤلمة التي نواجهها في العديد من الدول العربية هي أنها تعتمد بشكل كبير على الخبراء المرتزقة في جميع المجالات. هذه الحقيقة تأتي نتيجة لضغوطات المستعمر وعبيده الذين يسعون جاهدين لضمان استمرار هذه الدول في تبعية دائمة.
الدول العربية محكوم عليها بأن تظل أسيرة للتجارب المستوردة، فبدلا من الاستفادة من خبرات أبنائها، تجبر على تطبيق حلول خارجية يقدمها مكاتب الدراسات التي تكلف الملايين، وتكون غالبا بلغة المستعمر ومن خلال شركات تحمل أسماء غير عربية.
للأسف، يبدو أن الساسة في هذه الدول يخشون من أي فكرة عربية أصيلة تنبع من داخل الأمة، بل يفضلون البقاء في فلك الحلول المستوردة، رغم أنها غالبا ما تكون بعيدة عن واقعهم وأزماتهم الحقيقية. إن هذا التوجه يفقد الشعوب العربية الأمل في أن تجد حلولا حقيقية لمشاكلها على يد أبنائها، ويجعلها تبقى أسيرة للتبعية التي لا تنتهي.
تحدثت عن تحويل بلدان المسلمين إلى مروج وأنهار ما الأسس العلمية لهذا المشروع؟ وهل هو قابل للتطبيق في بيئة كالصحراء الموريتانية؟
نعم، بالطبع. كما شرحت في السابق، هناك حلول بسيطة وسهلة وفعالة لتحقيق الاكتفاء المائي في موريتانيا باستخدام نفس المبالغ المرصودة حاليا لمشاريع المياه. كما شرحت أيضا كيف يمكن باستخدام نفس المبالغ المخصصة لمكافحة التصحر، وقف زحف الرمال وحماية السهول الخصبة التي تغطيها الرمال في الوقت الحالي، مما سيسهم في تحويل هذه الأراضي إلى أراض زراعية خصبة.
إذا تم تطبيق اختراعاتي البسيطة والفعالة في موريتانيا، يمكن أن تتحول البلاد، أو معظم أراضيها، إلى مروج خصبة وجريان أنهار في غضون العشر سنوات القادمة. هذه الحلول لا تتطلب استثمارات ضخمة أو تقنيات معقدة، بل تعتمد على أفكار عملية وقابلة للتنفيذ بسهولة في الواقع المحلي، مما يمكن أن يحقق نقلة نوعية في حياة الشعب الموريتاني ويضمن له الاكتفاء المائي والغذائي.
ما تقييمك لوضع الطاقة المتجددة في العالم العربي؟ وما خطوات النهوض بها؟
صحيح أن بلاد العرب تتمتع بشمس ساطعة طوال معظم شهور السنة، مما قد يوحي للبعض أنه من السهل توليد الكهرباء عبر الألواح الشمسية. إلا أن الحقيقة أن هناك عائقا كبيرا في العديد من البلدان العربية يمنع الاستفادة الكاملة من الطاقة الشمسية، وهو الغبار. يتطلب تنظيف الألواح الشمسية استخدام الماء، وهو أمر نادر في هذه المناطق، مما يزيد من تعقيد الوضع في ظل تراكم الغبار. لذلك، تزداد قدرة الألواح الشمسية على توليد الكهرباء في فصل الشتاء، عندما تنزل الأمطار وتغسل الألواح وتحد من تراكم الغبار لفترة تمتد من شهرين إلى ثلاثة أشهر.
أما بالنسبة للطاقة المتجددة من الرياح، فهي ممكنة في معظم بلدان العرب، ولكن الرياح الطبيعية لا يمكن التحكم فيها، وسرعتها غالبا ما تكون ضعيفة وغير مضمونة. كما أن استخدام الطاقة المتجددة من أمواج البحر يعتبر صعبا في كثير من السواحل العربية، نتيجة لتجمع الرمال التي تخرج على الشواطئ.
إذن، الحل الأمثل لإنتاج الطاقة المتجددة في هذه المناطق هو الاستفادة من الرياح المولدة بالسرعة، لأنها طاقة يمكن التحكم فيها، مضمونة وفعالة. يمكن استخدام المسارات القديمة للقطارات في المناطق التي لا تتأثر بزحف الرمال لتوليد الكهرباء بكفاءة، مما يوفر طاقة كافية للبلدان العربية. كما أن الرياح السريعة لا تتأثر بتجمع الرمال في محاور المراوح والمولدات، مما يجعلها حلا مستداما يتيح تقليل الحاجة للصيانة المستمرة.
كيف ترى مستقبل المياه في المغرب العربي؟ وهل من حلول مبتكرة تقترحها؟
السياسة المائية المتبعة في العديد من دول العرب والمسلمين هي في غالب الأحيان سياسة مستوردة أو ربما مفروضة علينا من المستعمر السابق. الهدف من هذه السياسات هو إضعاف الدول العربية والإسلامية وجعلها قابلة للاستعمار من جديد. مضمون هذه السياسات يتمثل في القضاء على المياه الباطنية لصالح المياه السطحية، وهو أمر غير مناسب للدول العربية التي تمتلك إمكانيات كبيرة من المياه الباطنية.
النفاذ إلى المياه الباطنية:
بلاد العرب والمسلمين حباها الله ببحيرات باطنية ضخمة قريبة من سطح الأرض، وهذه البحيرات خير من آلاف السدود العملاقة، فهي تساهم في تخزين المياه وتنقيتها وحمايتها من التبخر. أثناء جريان الأودية، تتجمع المياه في المناطق التي تحتوي على رمل وحصى داخل الأودية وفي جنباتها، حيث تبلع الأرض الماء عبر نقاط معينة، ما يساعد على الحفاظ على المياه وتوزيعها بشكل طبيعي دون أي تكلفة مالية.
حلول لضمان الماء وتحقيق الاكتفاء المائي:
1. فتح المغارات المغلقة: يجب فتح جميع المغارات التي تم إغلاقها في الأراضي الوطنية، سواء تلك التي أُغلقت من قبل المستعمر أو من قبل من خلفهم تحت مبررات واهية. المغارات هي عبارة عن “مضخات طبيعية” تساهم في تخزين الماء في باطن الأرض وتوزيعه بشكل فعال. عبر فتح هذه المغارات، يمكن أن يتحقق تدفق المياه بشكل طبيعي من الأرض دون الحاجة لاستخراج المياه بشكل مكلف.
2. حماية المواقع المائية في الأودية: يجب حماية المواقع التي تحتوي على رمل وحصى في قلب الأودية، لأن هذه المواقع تعمل كـ”كنوز جيولوجية” تساهم في امتصاص المياه أثناء جريان الأودية. فكلما تقلص منسوب المياه في الوادي، تتجمع الحصى والرمل في هذه النقاط، مما يسمح بتخزين المياه وتوزيعها بشكل فعال عبر الأراضي الشاسعة.
3. منع بناء السدود والحيطان التلية في الأودية الموسمية: بناء السدود في الأودية الموسمية يعتبر جريمة بحق الماء والوطن. فهذه السدود تمنع جريان الأودية وتوقف الأرض عن امتصاص المياه في المواقع التي تحتوي على رمل وحصى، وبالتالي تمنع حدوث التوازن الطبيعي في توزيع المياه.
4. منع تغوير الفرشات الباطنية: يجب منع الحفر العميق للآبار في مناطق تحتوي على فرشات مائية سطحية لأن ذلك يؤدي إلى “تغوير” الفرشات الباطنية. الحفر العميق أو التنقيب عن المعادن في هذه المناطق يمكن أن يضر بالفرشات المائية ويؤدي إلى تدهور المخزون المائي.
5. حماية الأحواض المائية الطبيعية: يجب احترام الأحواض المائية التي تحتوي على أشجار الطلح، لأنها تمثل بحيرات باطنية قريبة من سطح الأرض. الحفر والتنقيب في هذه المناطق يعرض المياه للخطر ويؤثر سلبا على توفير المياه للمستقبل.
6. منع صب غاز الكمتريل من الطائرات: يعد صب غاز الكمتريل من الطائرات في الأجواء الوطنية من الممارسات الضارة التي تؤثر سلبا على المناخ والمياه. يجب منع هذه الطائرات من نشر الغاز الذي يعيق تساقط الأمطار ويساهم في تقليل موارد المياه الطبيعية.
ما الذي تعرفه عن موريتانيا من حيث الموارد والمناخ والتحديات البيئية؟
على الرغم من أن موريتانيا تعاني من نقص في موارد المياه السطحية، إلا أن لديها إمكانيات هائلة من المياه الباطنية التي يمكن استغلالها بشكل فعال. صحيح أن بعض المياه الباطنية قد تكون مالحة، ولكن إذا تم اتباع الخطوات الصحيحة في إدارة واستغلال هذه الموارد، فإن موريتانيا يمكنها أن تحقق قفزة نوعية في تأمين الاكتفاء المائي.
المياه الباطنية:
موريتانيا، التي تطل على المحيط الأطلسي بحوالي 720 كيلومترا، تمتلك أيضا العديد من الأنهار الباطنية العميقة التي قد تجري في أراضيها نحو البحر. نهر السنغال، الذي يمتد طوله إلى حوالي 1800 كيلومتر، يعتبر مثالا على ذلك، إذ يمكن أن تكون هناك أنهر باطنية تحمل المياه عبر الأراضي الموريتانية باتجاه المحيط الأطلسي.
قد تكون المياه الباطنية هذه جزءا من نظام أكبر يمتد عبر مناطق جنوب الجزائر ومالي والنيجر، مما يعني أن مياها جوفية قد تمر عبر الأراضي الموريتانية وصولا إلى المحيط. إذا تم استغلال هذه المياه بشكل سليم، فإنها ستكون مصدرا هامًا للمياه العذبة في المستقبل.
الأنهار الباطنية.
كل نهر سطحي غالبا ما يكون له نظير باطني تحت سطح الأرض. عندما تجري الأودية والأنهار، تحمل الصخور الكبيرة التي ترتطم بالطبقات الصلبة في مجرى الوادي، مما يؤدي إلى تشكل صدوع وشقوق تحت الأرض. مع مرور الزمن، قد يتحول هذا إلى نهر باطني عميق. على سبيل المثال، نهر النيل الذي يمتد طوله إلى حوالي 6650 كيلومترا في مصر يصب سطحيا في البحر الأبيض المتوسط، لكنه يصب باطنيا في السواحل الليبية، وهو ما يعزز موارد المياه في ليبيا.
فتح المغارات الباطنية:
واحدة من الحلول الرئيسية للاستفادة من المياه الباطنية في موريتانيا والمناطق المجاورة هي فتح المغارات المغلقة، التي تم إغلاقها من قبل المستعمر. هذه المغارات تعتبر بمثابة “مضخات مائية طبيعية”، حيث يمكنها امتصاص الماء وتوزيعه عبر الأراضي. فتح هذه المغارات سيساهم في تحريك المياه الباطنية إلى السطح بشكل طبيعي، وبالتالي تزويد الأرض بالماء دون الحاجة إلى الحفر المكلف,
من خلال فتح المغارات المغلقة في موريتانيا وأيضا في البلدان المجاورة مثل مالي والنيجر وتشاد، يمكن ضمان تدفق المياه الباطنية بشكل أكثر كفاءة. هذه المغارات تعتبر كنوزا طبيعية يمكن أن تساهم في تأمين الاكتفاء المائي في المنطقة بأسرها.
التعاون بين الدول:
من أجل تحقيق الاكتفاء المائي في موريتانيا، يجب أن يتم التنسيق والتعاون بين الدول المجاورة. يمكن للدول مثل مالي والنيجر وتشاد أن تساهم في فتح المغارات المغلقة في أراضيها، الأمر الذي سيعود بفائدة كبيرة على جميع هذه الدول التي تعاني من شح المياه.
إذا تم إقناع هذه الدول بفتح المغارات المغلقة، سيكون لذلك أثر كبير في تحسين الوضع المائي في المنطقة بشكل عام. فتح المغارة المغلقة يعادل بناء سد عملاق من حيث الفائدة الاقتصادية والبيئية، ويعد خطوة نحو تأمين الموارد المائية بشكل مستدام.
ختاما:
موريتانيا، رغم المناخ الجاف، تتمتع بإمكانات مائية باطنية هائلة يمكن استغلالها بشكل فعال لتحقيق الاكتفاء المائي. بالاستفادة من الموارد المائية الباطنية وإعادة فتح المغارات المغلقة، يمكن تحويل موريتانيا إلى نموذج في استدامة المياه في المنطقة العربية والإفريقية.
هل لديك استعداد أو تصور لمشاريع عملية في موريتانيا؟ وهل تواصلت مع أي جهات موريتانية رسمية أو اكاديمية؟
بالطبع، لدي الاستعداد الكامل لتحويل موريتانيا إلى دولة فلاحية غنية وقوية في أقل من عشر سنوات، شريطة تطبيق الحلول والمقترحات التي قدمتها، والتي أؤمن بأنها ذات فعالية أكبر بكثير من الحلول المستوردة أو المفروضة من قوى خارجية. الحلول التي تمليها هذه القوى، مثل تحلية مياه البحر، ليست سوى حلول مكلفة وغير فعالة، ويمكن القضاء عليها في وقت قصير إذا تم تطبيق الأفكار الصحيحة. ربط الماء بالطاقة في دولة لا تملك طاقة مستقرة أو القدرة على تصنيع قطع غيار لمحطات التحلية هو ببساطة وضع مصير الدولة في مأزق طويل الأمد، مشابه لمن يضع رأسه بين فكي تمساح.
إن الإنفاق على مشاريع مثل بناء الحيطان التلية أو السدود التلية هو استنزاف للموارد بلا فائدة، حيث تعتبر هذه المشاريع جزءا من مخططات المستعمر لخلق مشاكل مائية طويلة الأمد في مستعمراته السابقة، وبالتالي تسهيل عملية إعادة الاستعمار.
على مدار أكثر من 10 سنوات، تواصلت مع العديد من الجهات الحكومية والأكاديمية في دول العالم العربي، بما في ذلك وزارات معنية بالماء والتصحر. كنت قد تواصلت عبر الهاتف والرسائل الإلكترونية، ولكن خبرتي آنذاك كانت محدودة مقارنة بما هي عليه الآن. اليوم، وبعد عشر سنوات من العمل المستمر والتعلم، أصبحت خبرتي أكثر اتساعا، وأتطلع دائما إلى تطوير أفكاري وحلول جديدة لمستقبل أفضل.
هل يمكن أن نراك في زيارة علمية أو شراكة بحثية مع جهات موريتانية في المستقبل القريب؟
نعم، أنا على أتم الاستعداد، بفضل الله، للمساهمة في كل ما من شأنه خدمة المسلمين في أي مكان على وجه الأرض. وكيف لا أكون كذلك تجاه إخوتنا في موريتانيا، البلد العزيز الذي يجمعنا معه دين واحد، ولغة واحدة، وتاريخ مشترك، ومستقبل مترابط، وثروات وخيرات متكاملة. إن أي جهد يبذل لخدمة موريتانيا هو في جوهره خدمة للأمة الإسلامية كلها، وأنا على يقين بأن التعاون الصادق بين أبناء هذه الأمة كفيل بتحقيق نهضتها واستعادة عزتها، بإذن الله.
هل من كلمة أخيرة تود توجيهها إلى القراء، أو إلى صناع القرار في العالم العربي؟
لا يمكن للمستعمر، ولا لمن لا يزال يدور في فلكه من النخب التابعة، أن يسمح للدول التي كانت مستعمرات بالأمس أن تستعيد عافيتها أو تستقل بقرارها، ناهيك عن أن تحقق نهضتها أو تبني قوتها الذاتية. ذلك لأن سياسات التنمية الحقيقية، إن طبقت بوعي وشجاعة، كفيلة بتحرير تلك الشعوب من التبعية، وهو ما يخشاه المستعمر وأعوانه في الداخل والخارج.
إن أخطر ما يواجهه دعاة النهضة اليوم في دول الجنوب، هو وجود طبقات من “عبيد المستعمر” الذين يقفون بالمرصاد لأي محاولة جادة لبناء الاستقلال الحقيقي عن القوى الخارجية. هؤلاء مستعدون لمحاربة أي مشروع وطني، فقط لأنه لا يمر عبر بوابات المستعمر، ولا يحمل توقيعه أو لغته أو مصالحه.
في الحالة الموريتانية، الاكتفاء المائي يعني بداية الاكتفاء الغذائي، أي السيادة والاستقرار والكرامة. وهذا ما لا تريده قوى الهيمنة لدول الساحل والصحراء. إنهم يعلمون أن أمة تمسك بزمام قوتها وغذائها ومائها، لن ترضى بالتبعية، ولن تقبل الإملاءات. لذلك تفرض السياسات التي تجعل هذه الدول رهينة للماء الصناعي، المرتبط بمحطات التحلية، والطاقة، والدين الخارجي. وعندها، يصبح القرار السيادي في مهب التهديد المستمر بقطع الشريان الحيوي.
الغرب يعي دروس التاريخ جيدا. يدرك أن الدولة المرابطية، التي بدأت من ضفاف نهر السنغال، وحدت شعوب الصحراء والمغرب الكبير، وأعادت مجد الإسلام إلى الأندلس، ما كان لها أن تنهض لولا بساطة أهل الصحراء، وقوة عقيدتهم، وصفاء إرادتهم. ولذلك، فإن مشروع نهضة حقيقي ينطلق من تلك الجغرافيا، هو بمثابة كابوس لكل من لا يريد لهذه الأمة أن تستفيق.
ابن خلدون كان صادقا حين قال إن البداوة أصل العمران، وأن القلوب التي لم ترهقها الترف والبذخ، هي الأقدر على بناء المجد. وهذا ما يجعل القوى الكبرى تتحسس من أي إشارات لصحوة تنموية حقيقية في عمق الصحراء الكبرى. لأنها تدرك أن الشرارة إذا انطلقت من هناك، فإنها قد تمتد لتوحيد شمال إفريقيا، بل لتعيد للأمة الإسلامية دورها الحضاري المفقود.
ولهذا، فإن حماية الموارد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ليس فقط مشروعا اقتصاديا، بل هو فعل تحرري، وخطوة في طريق العزة والكرامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد أتاح لنا هذا الحوار مع الأستاذ عبد الله بوفيم فرصة نادرة للغوص في عوالم متعددة من الفكر والعلم والابتكار، تنطلق من رؤى نقدية شجاعة وتصب في خدمة قضايا تنموية حيوية تمس واقع الإنسان العربي والإفريقي. أفكاره واختراعاته تمثل دعوة مفتوحة لإعادة النظر في طرق تعاطينا مع مشاكل الماء والطاقة والتصحر، كما تمثل تحفيزا حقيقيا لصناع القرار ومراكز البحث لمد جسور التعاون مع العقول القادرة على تقديم الحلول من داخل بيئتنا الثقافية والعلمية..
نأمل أن تجد هذه المقابلة صدى لدى المهتمين، وتكون خطوة نحو تفعيل مشاريع واقعية تعود بالنفع على مجتمعاتنا، وفي مقدمتها موريتانيا التي تقف على تقاطعات بيئية وتنموية كبرى، تحتاج إلى مثل هذه الطاقات الخلاقة.
للتواصل مع الدكتور عبد الله بوفيم، يرجى الاتصال عبر الأرقام التالية:
00212668137801
00212624130158
00212528770686
البريد الالكتروني :
alwahda2008@gmail.com
لتحميل كتب الأستاذ عبد الله بوفيم :
http://www.noor-book.com/u/عبد
الحدث مديا .