الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله : علموا أولادكم أن فلسطين محتلة

علموا أولادكم أن فلسطين محتلة، وأن المسجد الأقصى أسير، وأن الكيان الصهيوني عدو، وأن المقاومة شرف، وأنه لا يوجد دولة اسمها اسرائيل.
ليست هذه العبارة مجرد مقولة عابرة أو أثر من الماضي، بل هي نبضة حق في صدر الأمة ووصية للتاريخ، استودعها الملك فيصل رحمه الله في ذاكرة الأجيال لتظل مشعلا يضيء درب الوعي. لم تكن كلماته عاطفة عابرة، بل نتاج بصيرة وتجربة ومعرفة بميزان القوة والحق. واليوم أكثر من أي وقت مضى، يجب أن تتحول هذه العبارة إلى راية للوعي ومشروع تربية لا مجرد شعار يلوح به الخطباء.
القول إن فلسطين محتلة هو إقرار بالواقع ورفض لأي تزييف أو تبرير. إنه تسجيل لجريمة متواصلة، وتذكير بأن شعبا صامدا يدفع ثمن تمسكه بأرضه وكرامته. ومن هنا فالتعليم والتوثيق هما السلاح الأول: من ينكر الحقائق أو يحاول تجميلها يسهل مهمة العدو في فرض واقع جديد على حساب الذاكرة والهوية.
أما المسجد الأقصى فهو ليس رمزا دينيا وحسب، بل قلب روحي وتاريخي للإنسانية جمعاء. وصفه بالأسير يعني أن هناك جرحا مفتوحا، واعتداء متواصل على حرمة المقدسات، وأن الدفاع عنه هو دفاع عن كرامة الأمة وذاكرتها، بل وعن قدسية الإرث الإنساني كله.
وحين وصف الملك فيصل الكيان الصهيوني بالعدو، لم يكن توصيفا سياسيا عابرا، بل تشخيصا لواقع احتلال واستيطان وتهجير وتصفية ممنهجة للهوية. العدو ليس طرفا تفاوضيا عاديا، بل مشروع قائم على الاغتصاب، ولا يمكن أن يعامل إلا وفق معيار الحق والعدالة، لا بمنطق الصفقات والمصالح العابرة.
أما المقاومة فهي شرف حين تتجذر في مواجهة الظلم، وتستند إلى الأخلاق والشرعية. إنها ليست مجرد فعل عسكري وحسب، بل منظومة شاملة من الوعي والثقافة والقانون والسياسة والإعلام. مقاومة تفضح المجرم وتكشف جرائمه، وتعيد تعريف الشرف بأنه الصمود في وجه الطغيان وحماية المقدسات وصون الكرامة.
لكن الأخطر أن محاولات التطبيع ومساعي تبرير الاحتلال باسم المصالح الاقتصادية أو الاستقرار السياسي باتت تتسرب إلى واقعنا. هنا يصبح دور النخب والمناهج التعليمية والثقافية حاسما: أن تفضح التزييف وتحذر من الانزلاق، وأن ترسخ أن السلام لا يبنى على إنكار الحق، بل على إحقاقه.
تحويل مقولة فيصل إلى برنامج عمل يقتضي خطة ثلاثية:
1. منهج تعليمي يروي للتلاميذ التاريخ كما وقع، لا كما يراد له أن يكتب.
2. إنتاج إعلامي وثقافي يعيد بناء السردية ويكسر هيمنة الرواية المزيفة.
3. استراتيجية قانونية ودبلوماسية تلاحق جرائم الاحتلال وتطالب بمساءلة عادلة ورفع الحصار وضمان حق العودة.
لا بد أن تتحول المؤسسات الرسمية والشعبية إلى حاضنات لهذا الوعي: مدارس، جامعات، فعاليات ثقافية، مسرحيات وأفلام توثق وتحفظ، لتصبح الحقيقة جزءا من نفس المجتمع وحياته اليومية، فلا تقدر قوى النسيان والتطبيع أن تمحوها.
إن مسؤولية الأمة اليوم ليست شعورا ولا حنينا، بل عملا منظما: دعم سياسي وإغاثي، تمويل مبادرات التوثيق، وتوسيع حملات التضامن الدولية حتى تبقى فلسطين قضية إنسانية عادلة، لا ملفا سياسيا يساوم عليه.
وللعالم نقول: التاريخ لا يعفو عن من يتواطأ بالصمت، ولا يغفر لمن يبيع الضمير تحت شعار الواقعية. على المجتمع الدولي أن يختار: إما شراكة في العدالة، أو شراكة في الجريمة.
أما للأجيال، فهذه هي الوصية: علموا أولادكم أن فلسطين محتلة لا ليحملوا الحقد، بل ليحملوا الذاكرة. علموهم أن المقاومة شرف ليستلهموا طريق النضال الحضاري. علموهم أن الحق لا يموت ما دام هناك وعي وصوت وذاكرة تقاوم.
وفي الختام: عبارة الملك فيصل لم تكن صرخة عابرة، بل مشروع حياة. فلنحولها إلى ثقافة، إلى سياسة، إلى حضارة تواجه الظلم وتسترد الحق. ولتكن رايتنا أن الذاكرة حية والعدالة قادمة، وأن العمل المنظم والعقل الواعي هما مفاتيح النصر.
بقلم : محمد سالم المختار الشيخ