استثمار سعودي عالي الأثر.. 100 مليون دولار لتأمين الماء وتحفيز النمو المحلي في كيفه

في لحظة تتقاطع فيها الرؤية السياسية مع العقل الاقتصادي، ويعلو فيها البعد الإنساني على كل الحسابات، برز الدور السعودي بوصفه شريكا استراتيجيا حاضرا بالفعل لا بالتصريحات، وذلك من خلال مشاركة سعادة السفير السعودي الدكتور عبد العزيز الرقابي، صحبة سعادة الأستاذ سلطان المرشد، رئيس الصندوق السعودي للتنمية، في حفل وضع حجر الأساس لمشروع تزويد مدينة كيفه بالمياه الصالحة للشرب انطلاقا من نهر السنغال، أحد أكبر المشاريع الهيكلية في تاريخ قطاع المياه بموريتانيا.
وقد جرى هذا الحدث البارز تحت إشراف فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في مشهد يعكس مركزية هذا المشروع ضمن الخيارات السيادية للدولة، وحضره عدد من أعضاء الحكومة، والسلك الدبلوماسي، والسلطات الإدارية والمنتخبون المحليون، إلى جانب نخبة من ممثلي صناديق التمويل العربية والإسلامية والدولية، ما يؤكد المكانة المتقدمة التي باتت تحتلها موريتانيا في خارطة الشراكات التنموية الإقليمية والدولية.
وتكتسي المشاركة السعودية في هذا المشروع بعدا خاصا، نظرا لما تمثله مساهمة المملكة العربية السعودية، عبر الصندوق السعودي للتنمية، بمبلغ 100 مليون دولار، من ثقل مالي ورسالة سياسية واضحة، مفادها أن دعم الاستقرار والتنمية في موريتانيا خيار استراتيجي ثابت، وأن الاستثمار في الماء هو استثمار في الأمن الاجتماعي، وفي استدامة التنمية، وفي كرامة الإنسان.
اقتصاديا، يندرج هذا المشروع ضمن الاستثمارات عالية الأثر، إذ تتجاوز كلفته الإجمالية 300 مليون دولار، ويهدف إلى نقل المياه عبر أكثر من 780 كيلومترا من الأنابيب، من نهر السنغال مرورا بعشرات المدن والقرى، من گوراي إلى سيليبابي، ومن حاسي شگار إلى ول ينجه وكنكوصه، وصولا إلى مدينة كيفه، بما يضمن النفاذ إلى المياه الصالحة للشرب لأكثر من 180 ألف مواطن، مع آفاق توسعة مستقبلية واعدة.
وفي كلمتها بالمناسبة، أكدت معالي وزيرة المياه والصرف الصحي أن هذا المشروع العملاق يجسد حجم الطموح الذي يحمله فخامة رئيس الجمهورية لهذا الوطن، ويعكس إرادة سياسية قادرة على تحويل التحديات البنيوية، المرتبطة بندرة المياه وطبيعة المجال، إلى فرص تنموية حقيقية، عبر حلول هيكلية مستدامة، لا ترقيعية ولا ظرفية.
وأوضحت معالي الوزيرة أن المشروع يتضمن منشأة لإنتاج ومعالجة المياه بطاقة 50 ألف متر مكعب يوميا، قابلة للتوسعة إلى 100 ألف متر مكعب، إضافة إلى محطة لمعالجة الرواسب، ومنظومة ضخ ونقل متكاملة، تشمل محطات ضخ رئيسية، ونظام تحكم مركزي عن بعد، وخطوط نقل رئيسية بأنابيب حديدية بقطر 800 ملم، وأخرى من البولي إيتيلين عالي الكثافة، إلى جانب منشآت كبيرة للتخزين والتوزيع، وفق أعلى المعايير الفنية المعتمدة دوليا.
سياسيا، يعكس تعدد صناديق التمويل المشاركة في هذا المشروع، من بينها الصندوق السعودي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وصندوق أبوظبي للتنمية، وصندوق أوبك للتنمية، والبنك الإسلامي للتنمية، مستوى الثقة الذي تحظى به موريتانيا، ونجاعة دبلوماسيتها التنموية، ووضوح سياساتها، والتزامها الصارم بتعهداتها التعاقدية.
أما البعد الإنساني، فيتجلى في كون هذا المشروع يعيد الاعتبار لحق أساسي من حقوق الإنسان، هو الحق في الماء، ويضع حدا لمعاناة مزمنة عاشتها مناطق واسعة من الداخل، ويؤسس لتحول نوعي في علاقة المواطن بالخدمة العمومية، وفي علاقة الدولة بمحيطها الاجتماعي، من خلال مشاريع تقاس قيمتها بما تحدثه من أثر، لا بما تلتهمه من ميزانيات.
وفي هذا السياق، لا يمكن قراءة الحضور اللافت لسعادة السفير السعودي الدكتور عبد العزيز الرقابي، إلى جانب رئيس الصندوق السعودي للتنمية، إلا بوصفه تأكيدا على أن المملكة العربية السعودية لا تكتفي بتقديم التمويل، بل تحرص على مواكبة المشاريع ميدانيا، وترسيخ شراكات قائمة على المتابعة والثقة والمسؤولية المشتركة، في نموذج تنموي يجمع بين الصرامة المؤسسية والبعد الإنساني.
لقد رسخت المملكة العربية السعودية، عبر سنوات من الدعم المتواصل، مكانتها كأحد أبرز شركاء موريتانيا في مسار التنمية، من خلال تدخلات نوعية شملت قطاعات المياه، والصحة، والتعليم، والمعادن، إلى جانب دعمها الثابت للشؤون الدينية، في رؤية شمولية تعتبر الإنسان نقطة البداية ونقطة الوصول.
وفي الخلاصة، فإن مشروع تزويد مدينة كيفه بالمياه من نهر السنغال لا يمثل مجرد إنجاز تقني أو بنية تحتية إضافية، بل هو عنوان لتحول استراتيجي، وخط ثقة يمتد بين موريتانيا والمملكة العربية السعودية، واستثمار في المستقبل قبل أن يكون استجابة للحاضر.
أما بلغة الأرقام فهو 100 مليون دولار، وأما بلغة السياسة فهو شراكة، وبمنطق التاريخ فهو موقف… والمواقف، وحدها، هي التي تصمد حين تتغير الظروف وتطوى الصفحات.
الحدث ميديا




