لم أتأخر خوفًا… بل حورِبت سراً
لم يتملكني الخوف يومًا،
ولا عرفتُ التراجع طريقًا.
كنت أمشي ثابتًا،
لكن الطريق لم يكن نزيهًا،
كان مزدحمًا بأقدامٍ تتعمد العرقلة
وأعينٍ لا ترى في تقدّمك
إلا تهديدًا لأمراضها المزمنة.
تأخّرتُ… نعم،
لكن ليس لأنني ترددت،
بل لأن كيد الأعداء كان أسرع من خطاي،
ولأن الحسد — ذلك المرض الخبيث —
كان يسبقني إلى الأبواب
ويهمس: «أغلقوه… لا يستحق».
حاربتُ بصمت،
فالمعارك الحقيقية لا تُعلن.
كنت أبتسم في العلن
وأُرمّم نفسي في الخفاء،
أجمع شتاتي كل ليلة
وأعود في الصباح
كأن شيئًا لم يحدث،
مع أن كل شيء كان يحدث.
لم يُؤلمني أن أسقط،
بل أن أسقط وأنا واقف.
أن تُكسر لا لأنك ضعيف،
بل لأنك واضح أكثر من اللازم،
نقيّ أكثر مما يحتملون،
ومتقدّم بخطوة
تُربك حساباتهم الصغيرة.
أحلامي لم تخذلني،
الناس فعلوا.
والمؤلم أن الخذلان
حين يأتي من بشرٍ
يتقن لبس الأقنعة
يترك أثرًا أعمق
من أي فشلٍ عابر.
تأخّرتُ عن الاستقرار،
عن الفرح،
عن النهاية التي ظننتها قريبة،
لا لأنني لم أسعَ،
بل لأن الطريق فُرشت لي
بالنية السيئة،
وبدعواتٍ سوداء
لا تُقال بصوتٍ عالٍ
لكنها تُمارَس بإتقان.
ومع ذلك…
لم أنحنِ.
تعلمت أن بعض التأخير حماية،
وأن الله حين يرى كثرة الأعين
يؤخّر الوصول
لا حرمانًا،
بل صيانة.
يوسف لم يُرمَ في الجب عبثًا،
كان الحسد أول من دفعه.
وموسى لم يُطارَد ظلمًا،
كان الخوف منه سابقًا لنبوّته.
وكم من نقيٍّ أُبعد
لأن وجوده كان يفضح الزيف.
لا استطيع انكار ضيق يداهم صدري في أوقات متقطعة أحيانًا.
إلا أنني لا زلت على يقين:
أن ما لم أبلغه بعد
لم يُلغَ…
بل أُجّل
حتى أسلمه وأنا أقوى،
وأكثر وعيًا،
وأقل انكسارًا أمام البشر.
لم أتأخر خوفًا،
ولا تراجعت ضعفًا،
أنا فقط نجوت
من معارك خفية،
وسأصل…
حين يتعب الحاسدون،
ويملّ الأعداء،
ويأذن الله
سيزول الغبار
عن حقي الذي انتظر طويلًا.
بقلم: مرزوق بن علي الزهراني




