من البروتوكول إلى السلك الدبلوماسي… مسار رجل دولة بكل المقاييس

في مسار الدول وتاريخ الأمم، لا تظهر القامات الكبيرة فجأة، بل تتشكل عبر تراكم التجارب وصدق الالتزام وصفاء النية في خدمة الوطن. وفي موريتانيا، حيث تشهد الدولة مرحلة دقيقة من البناء وترسيخ المؤسسات، تبرز شخصيات تركت أثرا حقيقيا في عملها وأسهمت بصمت وإخلاص في تعزيز حضور الدولة وكرامة المواطن. ومن أبرز تلك الشخصيات اليوم السيد دمان ولد همر، الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية، الرجل الذي استطاع أن يجمع بين هدوء الطبع، وحكمة الأداء، وإخلاص العمل، ليصبح أحد الوجوه التي تجسد معنى رجل الدولة القريب من الناس والوفي لمسؤولياته.

لقد بدأ السيد دمان ولد همر مسيرته الإدارية من موقع يتطلب دقة عالية وقدرة استثنائية على التوازن بين واجهة الدولة وهيبتها، وبين تفاصيل العمل اليومية، حين تولى إدارة تشريفات الدولة. وفي هذا المنصب، الذي يعد من أهم واجهات البروتوكول، لم يكن مجرد مدير يسير الملفات، بل كان نموذجا في الانضباط والاحترافية، مستحضرا في كل خطوة أن احترام المراسم هو احترام لصورة البلد ولمكانته. وقد أرسى خلال تلك المرحلة نهجا في الدقة والصرامة الهادئة، ما جعل بصمته في هذا القطاع ممتدة حتى اليوم.

ثم انتقل إلى مستوى آخر من المسؤوليات حين عين قنصلا لموريتانيا في غينيا بيساو، فواجه بيئة مختلفة وسياقات صعبة، ومع ذلك أظهر قدرة لافتة على التكيف، وحرصا على أداء الواجب دون ضجيج. بقي قريبا من أفراد الجالية هناك، يعالج مشاكلهم اليومية، ويهتم بشؤونهم، ويقدم لهم صورة مشرقة لمسؤول يمثل دولتهم بإنصاف وصدق.

وبعد نجاح تجربته في غينيا بيساو، انتقل إلى محطة دبلوماسية أكبر حجما وتأثيرا حين أصبح قنصلا لموريتانيا في المملكة العربية السعودية. وهناك ظهر البعد الإنساني العميق من شخصيته. ففي السعودية، حيث الجالية كبيرة والطلاب كثيرون، كان الرجل أكثر من مسؤول إداري؛ كان سندا لأبناء بلده، قريبا منهم، متابعا لقضاياهم في الحج والعمرة والدراسة والعمل. وقد شهد كثيرون ممن عرفوه في تلك الفترة بوقوفه معهم في أصعب اللحظات، وبحرصه على أن يشعر المواطن بأن دولته معه لا عليه، وأن ممثل وطنه يفتح له الباب ويساند قضيته بكل ما يملك من صلاحيات وإنسانية.

ومن هناك انتقل إلى مرحلة أوسع من العمل الدبلوماسي بتعيينه سفيرا لموريتانيا في الجمهورية التونسية، وهي محطة خاصة بالنسبة للكثير من الموريتانيين الذين يقصدونها للعلاج أو للدراسة. وقد أصبح مكتب السفير دمان ولد همر في تونس مكانا يلجأ إليه المرضى قبل المستشفيات، والطلاب قبل الجامعات؛ فهو الذي كان يتابع ملفات العلاج بالدقة نفسها التي يتابع بها قضايا التعليم والإقامة، لا يرد طالبا ولا يتحفظ أمام أي حالة إنسانية. وقد أجمع معظم الموريتانيين الذين مروا بتونس أن السفير ولد همر كان أقرب إليهم من أي مسؤول آخر، وأن حضوره كان سببا في حل مشاكلهم وتيسير ظروفهم.

ثم انتقل إلى محطة أكبر مسؤولية وأعمق حساسية حين عين سفيرا في روسيا الاتحادية، حيث العلاقات الدولية ذات الطابع الاستراتيجي، وحيث يتطلب العمل الدبلوماسي فهما دقيقا للتوازنات الدولية. وقد استطاع الرجل أن يحافظ على حضور موريتانيا، وأن يعزز علاقاتها، وأن يمثل بلده بوقار يليق بتاريخها، جامعا بين الهدوء السياسي والاحترافية الإدارية، في واحدة من أصعب ساحات العمل الخارجي.

وبعد كل تلك التجارب المتراكمة، عاد إلى الوطن حاملا معه رصيدا من الخبرة والإنجاز، ليعهد إليه بمنصب الأمين العام لوزارة الخارجية، وهو موقع لا يسند إلا لمن تثق الدولة في قدراتهم وإخلاصهم. وقد أثبت في هذا المنصب مرة أخرى أنه رجل دولة مكتمل الأدوات، قادر على التنسيق، وضبط العمل، وتعزيز حضور الدبلوماسية الموريتانية بروح المسؤول الذي لا يتعامل مع المنصب كوجاهة، بل كتكليف وطني.

وإذا كانت التجارب وحدها تكفي لتشكيل صورة هذا الرجل، فإن شهادة من يعرفون قيمته من أبناء الوطن تضيف بعدا آخر. وهنا تبرز شهادة الأخ عبد الله ولد الشيخ سيديا، الذي قال:أخي الأكبر الإداري والدبلوماسي المميز معالي الأمين العام لوزارة الخارجية السيد الدمان ولد همر يخدم الوطن بكل إخلاص وجدية… يجسد بكل صدق مفهوم قرب الإدارة من المواطنين… أعتقد أنه يستحق منصب الوزير الأول أو على الأقل منصب وزير… وهو من أكبر داعمي فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني… وشخصية وطنية جامعة تمتد علاقاته في جميع ربوع الوطن.”

هذه الشهادة ليست مجاملة، بل تقييم موضوعي لرجل بنى مسيرته على ثلاث ركائز أساسية: خبرة عميقة، وقرب إنساني صادق من المواطن، وولاء وطني ثابت. وهي عناصر لا تجتمع إلا في شخصيات نادرة تدرك معنى الدولة وتعرف قدر المسؤولية.

ولذلك، فإن شخصية بهذه المواصفات تستحق — عن جدارة — أن تكون ضمن دائرة ثقة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، تلك الثقة التي تسند مواقع القرار إلى من يستحق، وإلى من يستطيع أن يجعل المواطن محور اهتمامه، وأن يدير الملفات بروح من النزاهة والهدوء والالتزام.

إن البلاد اليوم بحاجة إلى رجال من طينته: رجال يقدمون الدولة بوجهها الإنساني، ويجسدون قيمها الحقيقية، ويعرفون أن خدمة المواطن هي جوهر الإدارة، وأن سمعة الوطن في الداخل والخارج مسؤولية لا ينهض بها إلا الكبار. وشخصية مثل دمان ولد همر تستحق — بكل معايير الوطنية والكفاءة — مواقع القرار العليا، ليواصل مساره في خدمة الوطن وتقريب الإدارة من الناس، وترسيخ قيم العدل والجدية والوفاء.

المدير/محمد سالم المختار الشيخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى