يوم إسرائيل قادم… وإن طال الأمد

قرأت التاريخ من أوله إلى آخره، نقبت في ظلامه ونوره، سافرت في دفاتر الغزاة، تأملت وجوه الطغاة، عشت في فصول القهر والمقاومة، من “جنكيز خان” إلى “نيرون”، ومن “نابليون” إلى “هتلر”، فلم أجد فيهم أحدا تجاوز الحد في الإجرام كما فعل ويفعل اليوم من يحكمون ما يسمى بدولة إسرائيل، وعلى رأسهم السفاحان: إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
لقد بلغ هذان الكائنان من الانحطاط والوحشية ما لم تبلغه عقول المجانين، ولا أخيلة الشياطين.
يدعيان التدين وهما يتعمدان قتل النساء والأطفال، ويأمران بتجويع الرضع، ويهللان وهم يشاهدون أجساد الأبرياء تتفتت تحت الأنقاض.
فأي دين هذا؟!
أي دين هذا الذي يحل للمجرم أن يمنع الدواء عن المصابين، ويجفف صدور الأمهات من اللبن؟
أي دين هذا الذي يرى في بكاء الأطفال نصرا؟ وفي تدمير المستشفيات بطولة؟ وفي إذلال الأسرى، وحرمانهم من الغذاء والدواء، قربة إلى الله؟!
أي دين يبيح للجنود أن يعتدوا جنسيا على أسرى عزل لا يحملون سلاحا، ولا يملكون سوى وجعهم؟
أي دين هذا الذي يجعل مشاهدة مئات النساء والأطفال، وهم يتقاتلون على كرتونة غذاء لا يتجاوز وزنها عشرة كيلوغرامات، مشهدا مفضلا لدى القادة؟!
أي قلوب تلك التي لا تهتز لدمعة طفل ولا لتوسل أم ولا لصوت مريض؟!
يا للعجب!
في القرن الحادي والعشرين، وفي عصر ادعت فيه البشرية أنها بلغت أوج التقدم، تقف دولة الاحتلال في واجهة الإعلام العالمي، لتخطب بكل وقاحة عن حقوق الإنسان، والعدالة، والحرية، وهي التي تمارس كل ساعة أبشع أنواع الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتجويع الممنهج، والقتل دون تمييز بين طفل وشيخ وامرأة.
أي صفاقة هذه؟!
وأي غطرسة جعلت أمثال بن غفير وسموتريتش يتباهون على المنابر، يرفعون أصابعهم الملطخة بدماء الأطفال، ويهتفون: “نحن شعب الله المختار… نحن سادة الشرق… وغيرنا عبيد!”
عندما أراهم، أتذكر قول الله عز وجل: ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار.
وأتذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته.
وقول الشاعر:
وما من يد إلا ويد الله فوقها * وما من ظالم إلا وسيبلى بأظلم
لقد بني كيانهم على باطل، على وعد من لا يملك (بريطانيا) لمن لا يستحق (الصهاينة)، بوعد بلفور المشؤوم سنة 1917، الذي سلم فلسطين لأعدائها، وأسس لأكبر مأساة إنسانية مستمرة حتى اليوم.
ومنذ ذلك اليوم، لم يتوقف الدم.
من دير ياسين إلى قانا، ومن صبرا وشاتيلا إلى مجزرة جنين، ومن الضفة إلى غزة، تتوالى المذابح، ويتكرر المشهد نفسه:
صمت دولي…
دعم أمريكي…
تواطؤ أوروبي…
ونفاق عربي.
ومع ذلك…
لم ينكسر الفلسطيني، لم ينحن، بل بات اليوم أيقونة الصمود في وجه أعتى آلة عسكرية في الشرق الأوسط.
صواريخهم لا تهزم عزيمته، وقنابلهم لا تمحو وجوده، وأكاذيبهم الإعلامية لا تخدع ضميره.
كلما اعتقدوا أن الطفل مات، نهضت من ترابه قنبلة.
وكلما دفنوا مجاهدا، خرج من نعشه ألف مقاوم.
وإنه من العجيب… أن هؤلاء القتلة، المتدينين زيفا، يتحدثون عن العدل، وهم يمارسون أقسى أشكال الظلم!
يتحدثون عن الأخلاق، وهم قد سحقوا كل قيمة.
عن الأمن، وهم منبع الإرهاب وراعيه.
ومع ذلك… سيأتي اليوم.
نعم، يوم إسرائيل آت، وإن طال الأمد.
فمن كان يظن أن النازية، بكل جبروتها، ستنهار تحت أقدام الحلفاء؟
ومن كان يتخيل أن الاتحاد السوفيتي، الذي حكم نصف الأرض، سيتفكك في أسابيع؟
ومن كان يجرؤ على قول إن أمريكا ستهزم في فيتنام، وتخرج ذليلة من الصومال والعراق وأفغانستان؟!
ها هو التاريخ يعيد نفسه…
وسقوط الطغاة سنة من سنن الله في كونه.
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فلا تغتروا بقوتكم، فإنها إلى زوال.
ولا تفرحوا بسكوت العالم، فإن الله لا ينسى.
ولا تظنوا أن الأطفال الذين تحرقونهم اليوم، لن يعودوا في الغد رجالا يحررون الأقصى.
سيأتي اليوم الذي ترفع فيه راية الحق في القدس،
ويصلى في الأقصى محررا،
ويلقى أمثال بن غفير وسموتريتش في مزبلة التاريخ، مع أمثال هتلر وستالين ونيرون وفرعون.
يرونه بعيدا… ونحن نراه قريبا.
بقلم: محمد سالم المختار الشيخ



