شركة الماء.. إمكانيات هائلة وخدمات منهارة!

في بلد يفترض أنه يتجه نحو “الإصلاح”، تظل الشركة الوطنية للماء عنوانا ساطعا للفشل المزمن، وصورة ناطقة للاستهتار بعقول الناس ومعاناتهم. إنها الشركة التي لا حظ لها من اسمها، ولا صلة لها بمضمون مهمتها. شركة يناط بها توفير أبسط مقومات الحياة، لكنها عاجزة عن توفيرها لأيام متتالية في قلب العاصمة نواكشوط، فكيف بباقي المدن والقرى النائية؟!

أي عبث هذا؟

أي منطق يبرر أن تبقى أحياء كاملة بلا ماء لأيام متواصلة، وأحيانا لأسبوع أو أكثر؟! وإن جاء الماء، جاء متأخرا، خجولا، يتقطر كأنما يسقى بقطارة! وفي عز هذا العطش الجماعي، لا تكلف الشركة نفسها عناء الاعتذار، ولا تصدر بيانا يشرح الخلل، ولا نسمع إلا همسات في الهواء عن “أشغال” لا تنتهي، و”أعطاب” لا تصلح!

والمفارقة الموجعة، أن كل مدير جديد يتسلم زمام هذه الشركة، لا يشغله العطش، ولا انقطاع الماء، ولا شكاوى المواطنين، بل ينشغل أولا وآخرا بتغيير الطاقم الإداري السابق وتوزيع المناصب هنا وهناك، كأن مشكلتنا هي في الأسماء لا في الأداء، وفي المناصب لا في الخدمة!

أي عذر أقبح من ذنب، أن تمر الأيام والأسابيع، والمواطن لا يسمع شيئا عن “تحسين الخدمات”، بل فقط عن تغيير المدير الجهوي في الحوض، وإقالة المدير التجاري في نواكشوط، وتعيين مدير جديد في كيفه أو نواذيبو؟!

لقد تابعت عمل إدارات عديدة، فلم أجد أفشل من هذه الشركة رغم الإمكانيات الهائلة التي توفرها لها الدولة!

والأدهى والأمر، أن لا أحد فكر يوما في فتح تحقيق جاد ومسؤول يكشف مكمن الخلل، ويحمل المقصرين مسؤولياتهم؟ هل أصبحت المساءلة ترفا إداريا؟ أم أن حياة الناس لا تستحق التحقيق؟!

في حي “فراج الديك” – وهو مجرد نموذج من عشرات الأحياء في العاصمة – نبقى أحيانا أياما بلا ماء، ونضطر في بعض الأحيان لشراء المياه المعدنية من أجل قضاء الحاجة – أكرمكم الله – أو تنظيف أبنائنا!

هل هذا معقول في دولة تملك شركة وطنية يفترض أنها مسؤولة عن الماء الصالح للشرب؟!

المشكلة اليوم أكبر من خلل في الأنابيب أو عطل في الضخ. المشكلة في ذهنية شركة تتعامل مع المواطن ككائن غير مرئي، لا تحترمه، ولا تعتذر له، ولا تصارحه، بل تهدر أموال الدولة، وتبدد ثقة المواطن في الإدارة الوطنية.

نقولها بصوت عال:كفى عبثا، وكفى استخفافا!

إن ترك الحبل على الغارب لإدارة فاشلة، هو هدر للمال العام، وإهدار للثقة، وصناعة لسخط شعبي لا مبرر له، والدولة في غنى عنه.

إننا نطالب القيادة العليا ممثلة في فخامة رئيس الجمهورية ومعالي الوزير الأول، بفتح تحقيق عاجل وشامل في فشل هذه الشركة في أداء مهمتها، رغم الإمكانيات المهولة التي توفرها لها الدولة.

ونقترح بكل جدية، أن تلحق هذه الشركة، ومعها شركة الكهرباء، برئاسة الحكومة مباشرة، أو تخضع لإشراف رئاسة الجمهورية، وأن تمنح استقلالا إداريا وماليا يجعلها خارج دوامة الوزارات وتغييراتها العقيمة.

فـشركة الماء وشركة الكهرباء هما شريان الحياة في أي دولة محترمة، والإبقاء عليهما في حالة كهذه هو إهانة لكرامة المواطن، ونسف لثقة الشعب في خطاب الإصلاح.

فهل من مجيب؟

أم سنبقى نستجدي قطرة ماء… من شركة بلا ضمير؟!

بقلم: محمد سالم المختار الشيخ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى