المفلسون الثلاثة… خيبة العمر في سوق الربح الخاسر

في عالم تتسارع فيه الخطى وتُقاس القيمة بعدد الأصفار في الحساب، ينسى كثيرون أن الإفلاس الحقيقي لا يُقاس بما في الجيب، بل بما يُحمل في الروح والنية والعمل. ففي الأسواق الخفية التي لا تفتح في الدنيا بل في الآخرة، يخسر من ظن نفسه رابحًا، ويُفلس من ظن أن رصيده في الطاعة محفوظ، فإذا به مُبدَّد عند أول وقفة حساب.
ثلاث صور بشرية تسير بيننا، قد لا نراها مفلسة، لكن حقيقتها أبلغ من أي ميزان مالي أو مجتمعي. المفلس الأول كمن يشبه كلب الصيد ( أكرمكم الله)، يلهث في المطاردة، يركض خلف غايته حتى تنقطع أنفاسه، فإذا ما اقترب من صيده، سبقه إليه غيره. هذا حال من يعمل دون نية خالصة، من يسعى لعيون الناس لا لوجه الله، من يزرع في أرض غيره، ويعلّق آماله على رضا عابر. يركض خلف المديح، يسهر لأجل الأضواء، ثم يعود في آخر الليل خالي الوفاض، منهكًا… بلا طريدة، بلا معنى.
أما المفلس الثاني، فهو البخيل الذي يجمع المال ويذهب لغيره ويُحاسب عليه في الآخرة، من أين اكتسبه وفيما أنفقه. رجل يعيش على الهامش، يحبس نفسه بين جدران الذهب، لا يذوق منه طعمًا ولا يمنح منه فضلًا. يظن أن الغنى في الامتلاك، وهو لا يدري أن المال الذي لا يُنفق، يُصبح عبئًا لا نعمة. ثم تأتي ساعة الحقيقة، ويكتشف أن كل ما خزنه قد انتقل لورثة لم يعرفوه، وبقي هو ليُسأل عن كل فلس جمعه… دون أن يستمتع به أو يسعد غيره به.
والمفلس الثالث هو صاحب اللسان الطويل، المغتاب الذي يغتاب الناس وتذهب حسناته لغيره. يظن نفسه طليق الفصاحة، ساخرًا لبقًا، يتلذذ بذكر الناس في غيابهم، ينهش أعراضهم كما يُنهش الجسد. لكنه لا يدرك أنه في كل كلمة يُسقط من ميزان حسناته، ويُضيف لميزان من اغتابه. فإذا جاء يوم الحساب، فرّط في أثمن ما يملك… لا لأنه لم يعمل، بل لأنه أهدى عمله لغيره، ببساطة وسذاجة.
هؤلاء الثلاثة – اللاهث، والجامع، والمغتاب – يشكلون ثلاثية الإفلاس الروحي في زمنٍ نُقلب فيه المعايير. يفشلون لا لأنهم لم يحاولوا، بل لأنهم ضلوا الطريق. سعوا لكن لغير وجهة، عملوا لكن لغير نية، جمعوا لكن بلا بركة.
فيا من تقرأ هذه السطور، احذر أن تكون رابعهم.
راجع نيتك، طهّر لسانك، أنفق ممّا تحب، ولا تركض إلا لما ينفعك عند من لا تخفى عليه نية ولا كلمة. فربّ لاهثٍ ظن أنه سابق، فإذا به في ذيل القافلة، وربّ صامتٍ نجا بصمته من الخسران المبين.
بقلم: مرزوق بن علي الزهراني
