جبال من الكرم لا تهزها العواصف.. الشيخ عبد العزيز، الشيخة العزة، الشيخ الطالب بوي

في زمن قل فيه الوفاء، وتكاثرت فيه الألسنة الحاقدة، يضيء الله بعض البيوت بنور لا يخبو، ويمن على بعض الخلق بقلوب عامرة بالعطاء، تنفق ولا تخشى الفقر، تبني ولا تنتظر جزاء ولا شكورا، تزرع الخير في الأرض، وتجعل من القرى النائية منارات تضيء الظلمات.
نحن هنا لا نتحدث عن حكاية عابرة أو خبر يتلاشى في زحمة الأخبار، بل عن تاريخ يتوشح المجد، ويشع بالنور، عن أسرة ضاربة في الجذور، من شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، عن سلالة تمتد إلى من كان أجود بالخير من الريح المرسلة في رمضان، عن آل الشيخ آياه، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكانوا للعطاء عنوانا، وللجود مرجعا، وللأصالة شاهدا.
وعندما نخص الذكر، فإنا لا نخرج عن ثلاثة جبال، ثلاثة أعلام، ثلاثة رموز، قل أن يجتمع في غيرهم ما اجتمع فيهم:
الشيخ عبد العزيز، شيخ الطريقة القادرية في غرب إفريقيا، العالم العامل، والعارف الكريم، رمز الوسطية والاعتدال، وحامل مشعل التصوف الموريتاني النقي.
والشيخة العزة، فريدة عصرها، بل أعجوبة في البذل، تعطي كأنما الدنيا ملك يمينها، فلا تعلم شمالها ما تنفق يمينها، حتى لينطبق عليها حديث جدها صلى الله عليه وسلم: ورجل (أو امرأة) تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
ثم الشيخ الطالب بوي، الناطق الرسمي باسم الطريقة القادرية، ورئيس نادي أشبار للرماية التقليدية، وأحد أنبل من عرفتهم الساحة الاجتماعية الموريتانية أدبا وكرما وصدقا وسداد رأي.
هؤلاء الثلاثة، ومن معهم من أبناء هذا البيت المبارك، ليسوا مجرد أسماء، بل قناديل في ليل الحيرة، وسقيا في زمن القحط. امتد خيرهم من قريتهم إلى القرى المجاورة، إلى ولايات موريتانيا، إلى دول الجوار، بل إلى فلسطين الجريحة.
بنو المساجد، والآبار، والمدارس، وكفلوا الأيتام، وعالجوا المرضى محليا وفي الخارج.
وزعوا الغذاء، واللباس، والدواء، وآووا المشردين، وستروا العورات، وآخوا بين الناس، حتى أصبحوا أشبه بما وصف الله به عباد الرحمن: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.
وإن جمعية الشيخ آياه الخيرية، اليوم، واحدة من أرقى المؤسسات الاجتماعية الموريتانية، وأكثرها نشاطا وتنوعا، وهي صورة ناطقة من صور الوفاء لأمانة الميراث النبوي، الذي يجعل من خدمة الناس عبادة لا يعادلها شيء.
لكن، وأي شمس في السماء لم يحاول أهل الغي أن يحجبوها بسوادهم؟!
إنها سنة الحياة، أن يرمى الناس العظماء بكل تهمة، وأن يهاجموا كلما علت همتهم. فمنهم من اتهمهم بالمخدرات! ومنهم من اتهمهم بالشعوذة!
ولم يكن ذلك سوى محاولة فاشلة للنيل من شرفاء، عرفهم القاصي والداني، لا يبيعون دينهم، ولا يتاجرون بعقول البسطاء، بل يقيمون الليل ويقودون النهار بالعقل والحكمة والنية الطيبة.
أما عن اتهامهم بالشعوذة، فقد شاء الله أن يتساقط هذا البهتان كما يتساقط السراب حين يبلغه الظامئ، فإن الرقية الشرعية وفن الأوفاق والعلاج بالحروز والأدعية، فنون عريقة لها أصولها، وليست كلها مذمومة.
وقد شهد تاريخنا الموريتاني علماء أجلاء مارسوا فن الأوفاق بما لا يخالف الشريعة، ومنهم:
الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي
الشيخ ماء العينين
الشيخ سعد بوه
محمد بن عبد الله بن أشفغ الحاج
وغيرهم من أعلام أهل المحاظر والزوايا، الذين نظروا إلى الأوفاق بوصفها رموزا روحية، ووسائل استشفاء لا تتنافى مع الإسلام، ما لم يدخلها شرك أو استغلال لعقول الناس.
والقانون الموريتاني نفسه لا يجرم كتابة حرز قرآني، أو وفق من أسماء الله الحسنى، بل يجرم الشعوذة التي تهدف إلى النصب أو ادعاء الغيب أو التلاعب بالمساكين.
وعليه، فإن من يكتب آية الكرسي أو يحصن طفلا بدعاء مأثور، لا يعد خارجا عن الدين، ولا متجاوزا للقانون، بل هو سالك دربا عرفته الأمة منذ قرون.
إن هذه الأسرة، آل الشيخ آياه، ستظل شامخة، لأنهم لا يقابلون القبيح إلا بالجميل، يعفون، يتغاضون، ويعرفون أن الشجرة المثمرة وحدها من ترجم بالحجارة.
ومن عجائب الله، أن صيتهم يزداد كلما اشتد عليهم الهجوم، وأن محبتهم في قلوب الناس لا تتزحزح، لأن عطاء الله لا يرده حسود ولا يحجبه مغرض.
ختاما…بلغني، كما بلغ آلاف الموريتانيين، أن يد هذه الأسرة الكريمة امتدت إلى آلاف الأسر في كل شبر من أرض موريتانيا، وأن سخاءهم لم يكن كلاما، بل سيارات أُهديت، ومنازل بنيت، وقلوب أُنعشت، ومشاريع أُقيمت، وأجيال ربيت.
أما الحسود، فهو في عذابه الأبدي، يأكل قلبه كل يوم، ولا يزيده الكيد إلا حسرة، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
اللهم احفظ هذه الأسرة الطيبة، وبارك في عطائها، واصرف عنها كيد الكائدين، ووفقها لكل خير، فهي بحق:سلالة المجد، وأحفاد محمد، وأمراء الجود في هذا الزمن.
حبيب حرمه عبد الجليل
المدينة المنورة/ السعودية




