مبدأ لا يهتز.. الأمير محمد بن سلمان يواجه ضغوط ترامب بثبات الدولة وقوة الموقف 💪👊

في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها الإقليم، تعود السعودية لتفرض إيقاعها الخاص، القائم على ثبات المبدأ ووضوح الرؤية واستقلال القرار. وما كشفه موقع “أكسيوس” مؤخرا بشأن موقف الأمير محمد بن سلمان خلال اجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليس مجرد تسريب إعلامي عابر، بل مؤشر جديد على أن الرياض تتحرك وفق عقيدة سياسية راسخة: لا تطبيع قبل تحقيق تقدم حقيقي وملموس نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وبذلك، تعيد المملكة التأكيد على أن القضية الفلسطينية ليست بندا للمساومة، ولا ورقة تدار تحت الضغط.
التقارير المنشورة توضح أن الاجتماع اتسم بأجواء متوترة، بعدما حاول ترامب دفع المملكة نحو الالتحاق الفوري باتفاقيات إبراهيم. ورغم حدة الضغوط المباشرة، أظهر ولي العهد حزم القائد الذي يدرك مكامن القوة وموازينها، فجاء رده واضحا وصريحا: أي خطوة من هذا النوع مشروطة بحل عادل يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بالسيادة والحقوق الكاملة. هذه اللغة السياسية الواضحة ليست نتاج لحظة انفعال، بل ترجمة لرؤية استراتيجية تدار بعقل الدولة، لا بردود الأفعال.
ما حدث في ذلك الاجتماع يعكس قدرة الأمير محمد بن سلمان على إدارة الملفات الكبرى بمنهجية تجمع بين الندية والواقعية. فترامب عبر، بحسب المصادر، عن خيبة أمله من الموقف السعودي، غير أن ولي العهد لم يغير من ثباته قيد أنملة، مؤكدا أن الموقف السعودي غير قابل للمساومة مهما بلغ حجم الضغوط، وأن الرياض تتحرك وفق ثوابتها التاريخية تجاه فلسطين. لقد حافظ على هدوء القادة الذين يعرفون أين يقفون، وعلى توازن المفاوض الذي يملك أوراقه كاملة، ويدرك أن التنازل عن شرط العدالة اليوم يعني تفريغ مفهوم السلام من معناه.
ومع هذه المعطيات، يصبح واضحا أن الأمير محمد بن سلمان ينتمي إلى طينة القادة الذين لا يديرون السياسة بمنطق اللحظة، بل بمنطق التاريخ. فالسعودية، التي لطالما لعبت أدوارا محورية في دعم القضية الفلسطينية، تعود لتؤكد أن ثباتها ليس شعارا إعلاميا، بل سياسة دولة. وهي بذلك ترسل رسالة صريحة إلى كل من يراهن على إمكانية تغيير موقفها بالضغوط: السعودية قوة إقليمية تحسب لها الحسابات، ولا تحمل على مواقف لا تتفق مع رؤيتها أو مبادئها.
يوما بعد يوم، تؤكد المملكة أنها دولة مواقف كبرى، وأن موقفها من التطبيع ليس خطوة ظرفية ولا خاضعة لميزان المكاسب السريعة، بل هو قرار استراتيجي يرتبط بمستقبل المنطقة واستقرارها. ومن يحاول تشويه هذا الثبات أو تصويره على أنه تعطيل أو تردد، إنما يتجاهل حقيقة أن السيادة لا تشترى، وأن مواقف الدول العريقة تبنى على مبادئ لا على ردود فعل آنية. إن كل محاولة للمساس بصورة المملكة أو التقليل من استقلال قرارها تبدو كمن يحارب في غير ميدانه ويجهل طبيعة الدولة التي يتحدث عنها.
إن موقف ولي العهد، كما نقلته المصادر الأمريكية، يعكس شجاعة سياسية نادرة في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، ويجسد قدرة السعودية على مواجهة الضغوط الدولية دون التفريط بثوابتها. فهو موقف يوازن بين الانفتاح على مسارات السلام، وبين رفض الدخول في أي عملية سياسية لا تضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. لقد أبقى الباب مفتوحا أمام المستقبل، لكنه وضع معايير واضحة لا يمكن تجاوزها، معايير تضمن أن أي سلام لن يبنى على حساب العدالة.
تحية تقدير لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أثبت مرة أخرى أن القيادة موقف قبل أن تكون منصبا، وأن مكانة السعودية تصنع عبر الوضوح لا عبر التنازلات. وتحية لشعب سعودي يقف خلف دولته بمهابة وثقة، ويدرك أن هذه المواقف لا تحمي فلسطين وحدها، بل تحمي أيضا مكانة المملكة ودورها التاريخي في المنطقة.
وهكذا، يثبت المشهد مرة تلو أخرى أن السعودية تعرف متى تتقدم، ومتى تتريث، ومتى تعلن ثباتها بلا تردد. وأن قرارها السيادي ليس قابلا للضغط ولا للمساومة، بل هو نتاج رؤية تمتد جذورها في التاريخ، وتستشرف مستقبل المنطقة بوعي ومسؤولية.
بقلم : محمد سالم المختار الشيخ
نواكشوط/موريتانيا




