الإبادة العلنية.. هكذا يكشف الصهاينة حقيقتهم أمام العالم

حين يخرج صوت صهيوني ويقترح إبادة أهل غزة وتحويل القطاع إلى موقف سيارات، فإن ما يقوله لا يمكن اعتباره مجرد زلة لسان أو تصريح فردي عابر. إنه انعكاس عميق لجوهر المشروع الصهيوني الذي تأسس منذ البداية على الإقصاء والمحو والتطهير العرقي. هذه ليست كلمات عابرة بل اعتراف صريح بأن الاحتلال لا يرى في الشعب الفلسطيني إلا عائقا يجب إزالته، ولا يتعامل معه كبشر بل كعقبة في وجه مشروع استيطاني توسعي.

الخطورة في مثل هذه التصريحات أنها لا تصدر فقط عن شخصيات هامشية أو متطرفة، بل هي تتكرر على ألسنة مسؤولين كبار في الحكومة والجيش والإعلام. فمنذ عقود والعقلية الصهيونية تربي أبناءها على أن الفلسطيني أدنى من الإنسان، وأن قتله أو تهجيره أو تجويعه أمر طبيعي وواجب. ولهذا لا يترددون في المجاهرة علنا بالدعوة إلى مسح مدن كاملة وتحويلها إلى أرض فارغة تصلح لمستوطناتهم.

إن ما يحدث في غزة والضفة ليس مجرد صراع عسكري كما يحاول الإعلام الغربي تصويره، بل هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان. فالقصف الذي يستهدف البيوت والمستشفيات والمدارس والأسواق، والحصار الذي يحرم الناس من الماء والغذاء والدواء، والتهجير الممنهج الذي يقتلع العائلات من أرضها، كلها حلقات متصلة في سلسلة طويلة هدفها النهائي محو الوجود الفلسطيني بالكامل. ولذلك يصبح تصريح تحويل غزة إلى موقف سيارات مجرد تلخيص فج لما يفعله الاحتلال عمليا كل يوم.

المؤلم أن هذه الرؤية الإبادية ليست محصورة في النخبة السياسية أو العسكرية، بل تجد لها صدى واسعا في الشارع الصهيوني نفسه. لقد صار الخطاب التحريضي الذي يصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية أمرا مألوفا، يتداوله الأطفال في المدارس كما يردده الجنود في ثكناتهم، ويبرره السياسيون في خطاباتهم. هذه ليست شذوذات فردية بل هي ثقافة عامة تغذيها العقيدة الصهيونية منذ تأسيسها، قائمة على نزع إنسانية الآخر وتبرير سحقه.

وإذا كان الاحتلال هو من ينفذ هذه الجرائم، فإن الولايات المتحدة والدول الغربية شريكة مباشرة فيها. فالدعم العسكري والمالي والسياسي غير المحدود هو الذي يمنح الكيان القدرة على الاستمرار في القتل والحصار بلا حساب. وما كان لإسرائيل أن تواصل سياساتها لولا الضوء الأخضر الذي تتلقاه من عواصم الغرب، حيث تغلق ملفات التحقيق، وتجهض القرارات الأممية، وتمدها مصانع السلاح بأحدث ما لديها لتجربه على أجساد الأبرياء. وهنا تتجلى مأساة كبرى: أن القوى التي تتحدث عن الحرية وحقوق الإنسان هي ذاتها التي تبارك وتغطي أبشع جرائم العصر.

المطلوب اليوم ليس الاكتفاء ببيانات الشجب ولا الاكتفاء بتوثيق المأساة. المطلوب هو فضح هذه الذهنية الإبادية على كل منبر إعلامي وثقافي وسياسي، والعمل من أجل محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفرض مقاطعة شاملة على هذا الكيان في كل المجالات الاقتصادية والثقافية والرياضية، ووقف الدعم الغربي الذي يمكنه من مواصلة جرائمه. كما أن الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم مدعوون للضغط على حكوماتهم لاتخاذ مواقف عملية تتجاوز حدود الخطاب الدبلوماسي البارد.

إن المعركة ليست مجرد معركة حدود أو أرض، بل هي معركة وجود إنساني وأخلاقي. فالصمت أمام إبادة جماعية بهذا الوضوح يعني المشاركة في الجريمة، وغض الطرف عنها اليوم يعني فتح الباب لجرائم مماثلة غدا بحق شعوب أخرى. إن دماء غزة والضفة هي اختبار للضمير العالمي، واختبار لفكرة العدالة التي يزعم العالم الحديث أنه يحرسها. والمطلوب أن نرفع الصوت عاليا لنقول إن فلسطين لن تكون موقف سيارات، ولن تكون أرضا خالية، بل ستبقى وطنا حيا بشعبه وتاريخه وحقه الذي لا يسقط بالتقادم.

بقلم : محمد سالم المختار الشيخ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى